القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
شرح كتاب العلم من صحيح البخاري
33433 مشاهدة
باب فضل العلم


باب فضل العلم.
قال: حدثنا سعيد بن عفير قال: حدثني عقيل عن ابن شهاب عن حمزة بن عبد الله بن عمر أن ابن عمر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت حتى إني لأرى الري يخرج في أظفاري ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم .


فضيلة لعمر -رضي الله عنه- وفي هذا تعبير هذه الرؤيا، رؤيا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- رؤيا منامية، ولكن رؤيا الأنبياء وحي، كما جاء ذلك في أحاديث فرأى في منام هذه الرؤيا أنه أتي بهذا الشراب فشرب منه، هذا الشراب الذي هو اللبن من أفضل الأشربة، ومن أسباب الهداية في حديث الإسراء يقول: لما أسري بي أوتيت بقدحين قدح خمر وقدح لبن فاستشرت جبريل فقال: خذ اللبن فشربت منه فقيل: هديت وهديت أمتك لو شربت الخمر لغويت أمتك فجعل شرب اللبن من أسباب الهداية، كذلك في هذا الحديث ذكر أنه شرب من ذلك القدح يقول: حتى إني لأجد في يخرج من أظفاري أعني الامتلاء من هذا الشراب امتلاء من العلم بمعنى أن العلم الذي كان من آثار هذا الشراب عم جسده حتى وصل إلى أظفاره.
العالم إذا قيل: إنه عالم، قيل: قد امتلأ جوفه من العلم، وإذا امتلأ فإن هذا العلم الذي في جوفه يمتد في بشرته، ويجري في عروقه، ويصل إلى لحمه وإلى عظمه، يعني كأنه يقال: هذا كله علم بشرته وجلده ولحمه وشعره وجوفه؛ هكذا يؤول هذه الرؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطى فضله عمر بن الخطاب سألوه ماذا أولت هذا؟
فقال: العلم، عمر -رضي الله عنه- من أعلم الصحابة، في زمانه كانت الفتيا إليه دائما أو كثيرا، وكان إذا نزلت به نازلة يسأل عنها من حوله من الصحابة فيضم علمهم إلى علمه، فوفقه الله -تعالى- ؛ يدل على ذلك كثرة فتاواه وكثرة أحاديثه،- وإن كانت أقل من غيره- وسبب قلتها بالنسبة إلى ابن عمر وغيره أنه مات متقدما قبل أن يشتغل التابعون بتتبع العلماء، وقبل أن يحرصوا على تعلم ما عندهم من العلم، فإن التابعين اهتموا بالعلم في زمن متأخر- يعني بعد عهد الخلفاء الراشدين- صاروا يحرصون على العلم، ويأتون إلى من عندهم علم من الصحابة ويأخذون من هذا ومن هذا ومن هذا.
أما في العهد المتقدم فإنهم كانوا يكتفون بعلم الصحابة الموجودين، فيقولون: لا نحتاج إلى علم وهم موجودون، من حصل له مسألة أو احتاج إلى فتوى فإنه يأتي إلى فلان وإلى فلان من الصحابة فيجد عندهم ما يكفيه من الجواب السديد، ولكن بعدما قل الصحابة قالوا: لا بد أن نأخذ ما عند الباقين، حتى يحتاج إلينا فنعلم الأحكام عندما يحتاج إلينا كما احتيج إليهم، وإلا فعمر -رضي الله عنه- لازم النبي -صلى الله عليه وسلم- منذ أن أسلم في السنة الثالثة بعد النبوة –كما قيل- معنى ذلك أنه بقي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين بمكة وعشر سنين بالمدينة .
مع هذه المدة الطويلة لا بد أنه تحمل عنه العلم الكثير، وقد اهتم بعلمه كثير من الصحابة كابن عباس -رضي الله عنه- فإنه كان يكثر من الرواية عنه، وإن لم يسمه، وكذلك أيضا عبد الله بن عمر كان ينقل عن عمر أحاديث كثيرة من التي حضرها عمر ولم يحضرها ابنه عبد الله وغير ذلك من فضائله.
لعلنا نقف عند هذا، بقية الكتاب لعله في دورة أخرى معنا أو مع غيرنا -إن شاء الله- والله أعلم، وصلى الله على محمد .
الأسئلة
س: هذا سائل يسأل: فضيلة الشيخ، في حديث ... عن جرثوم بن ناشر –رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء -رحمة بكم غير نسيان- فلا تبحثوا عنها يقول هل هذا الحديث يثبت صفة السكوت لله -عز وجل- مع أن الله –سبحانه- من صفاته صفة الكلام؟
نقتصر في الصفات على ما ورد، ونثبت لله -تعالى- ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله -صلى الله عليه وسلم-. جاء في هذا الحديث: وسكت عن أشياء رحمة بكم -من غير نسيان- فلا تبحثوا عنها، فأثبت السكوت يعني أنه لم يبينها وذلك لأنه بين ما هو مجمل، فلا تبحثوا عن الأشياء التي إذا تبينت قد يكون بيانها فيه شيء من الغلظ، وما أشبه ذلك، فالسكوت هاهنا كونه لم يبينها ولم يفصلها تفصيلا -رحمة بكم- من غير نسيان، فنثبت لله هذه الصفة كما أثبتها، وتفسر هذه الجملة بالآية الكريمة في سورة المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ يعني: لا تتقعروا فتسألوا عن أشياء فينزل فيها حكم يشق عليكم، اسكتوا عما سكت الله عنه، واعملوا بما ظهر لكم من غير أن تتقعروا في المسائل.
س: يقول سائل: ... وبعد يومين أحرم من جدة فهل عليه شيء؟
من كان من خارج الحدود أو خارج المواقيت لزمه أن يحرم من الميقات إذا مر به وهو عازم على العمرة بحج أو عمرة رجلا أو امرأة، فإذا خافت المرأة –مثلا- أن يعرض لها عارض كحيض أو نفاس أو نحو ذلك؛ فإنها تشترط، وأما الذين لا يحرمون إلا من جدة فالأصل أنهم تجاوزوا الميقات؛ فأحرموا بعدما تجاوزوه فيلزمهم دم لكونهم تركوا واجبا من الواجبات.
هذه المسألة غير واضحة ولكن يرجع فيها إلى الأصل أن من مر بميقات لزمه أن يحرم، ومن تجاوزه وهو عازم على الإحرام وأحرم بعدما تجاوزه فإن عليه دمًا، أما إذا تجاوزه وقام في جدة حتى زال العذر ثم رجع إلى الميقات وأحرم منه فلا شيء عليه، أما إذا خافت المرأة عذرا أو خاف الرجل عائقا واشترط فإن له أن يشترط، وله ما اشترط أن يقول: محلي حيث حبستني، والله أعلم.